20 June 2012

لم تكن يوماً فلسطين!

متى يغضب العرب؟
سؤال حيّر المناضلين والمثقّفين والمنظّرين
وما هي الكلمة السحريّة التي تخرجهم من قمقم استسلامهم؟
هل هي فلسطين؟ مسبوقة أو ملحوقة بشيء ما؟
بالمجازر مثلاً؟ وقد حدث منها الكثير الكثير ولم يغضب العرب.
هل هو الاحتلال؟ الذي لم يُبقِ من الوطن ولم يُذرِ. ولم يغضب العرب.
هل هي المقدّسات؟ ولم يسلم منها حتى القرآن الكريم. ولم يغضب العرب.
هل هي الكرامة والشّهامة والنّخوة؟ وقد داسوا شارون جميعاً بجزمته على أرض المسجد الأقصى.ولم يغضب العرب.
فجأةً استيقظ المارد العربي. يستيقظ غضباً فاق التوقعات متخطياً كل حقبات الانتظار... ومزيلاً كل غشاوات البصر والبصيرة!
كيف يطالب الشعب العربيّ السوريّ العظيم بالرّبيع العربيّ ولا يلبّون ؟
كيف يحرم المواطن العربيّ السوريّ من كل ما ينعم به المواطن العربيّ في السودان واليمن والأردن والعراق؟ ... ويبقى العرب على صمتهم؟
كيف لا يظهر العرب بطشهم والمواطن العربيّ السوريّ يتحسّر على رؤية أخيه المواطن العربيّ المصريّ ينعم هنيئاً في مقابره؟
كيف لا يستعين العرب بكل الدّول العظمى والهيئات الدّولية طلباً لرفع الهانة عن المواطن العربيّ السوريّ والمواطن العربيّ المغربيّ يتكرّم كل يوم بتقبيل يد ابن ملكه؟!
كيف لا تخرج الطّائرات والدبابات من مخابئها في مثل هذا الزّمن العصيب والمواطن العربيّ السوريّ يتلوّى شوقاً لضربات المطاوع تهوي على رأس أخيه المواطن السعوديّ؟
كيف لا يُغرق العرب الوطن العربيّ بالدم ودماء المواطن العربيّ السوريّ العزيز جداً على قلوب العرب تغلي شوقاً إلى الربيع؟!
لا تقوموا أيها المناضلون من تحت الردم
أخيراً عرفنا كلمة السرّ التي يغضب لها العرب
هي لم تكن يوماً فلسطين....

15 April 2012

Hallucinations in EXIL /هلوسات في الغربة



هذه أنا يا وطني

هذه أنا يا وطني التي رحلت عنك سهوًا وتاهت عن طريق العودة
هذه أنا يا وطني التي حملت حقيبتها ونسيت قلبها في حقيبتك
هذه أنا يا وطني التي رتبت أوراقها الثبوتية ودفنت هويتها في ترابك
هذه أنا يا وطني التي كانت تحبك وتحبك وتحبك أكثر من أي شيء تعرفه...فأصبحت لا تعرف شيئاً تحبه سواك...
هذه أنا يا وطني التي تعيش بين جدران بلا وطن وتحلم بجدار يظللها في الوطن...هذه أنا يا وطني التي في آخر الدنيا تنشغل عن تأمل العمران والهندسة والجمال  بتصفح الوجوه المتعبة في الذاكرة البعيدة. في أول الدنيا، تقرأ هناك أشعاراً تعرفها وترددها بلا كل...هذه أنا يا    وطني التي تتوارى بعينيها بعيدًا عن الأعين المترصدة..تحاول اخفاء خيانتها.هذه أنا يا وطني التي تتنشق هواءً تخونه وتخونه عن سابق تصور وتصميم ...مع كل نفس...
هذه أنا يا وطني التي تعبث ريشة أحلامها بالأوطان...
هذه أنا يا وطني التي تختلس من الأبعاد والألوان أجملها لتبتدع لوجهك أبهى الصور...
هذه أنا يا وطني التي تقتلع الأشجار، شجرة شجرة لتغرسها في ربوعك...
هذه أنا يا وطني التي تسلب الأطفال مدن ألعابهم لتحملها إلى أطفال آخرين يسليها فرحهم وتسعدها ضحكاتهم...
هذه أنا يا وطني التي لا ترحم حتى هؤلاء العجائز المتشابهين ...المتظللين بعبء الملل والمتسمرين على المقاعد الخشبية...فتستبدلهم بآخرين خرجوا من أسطورتك، مثل قوس قزح، في وجه كل عجوز منهم لون متفرد يروي حكايات وحكايات عن جفون ذبلت من غير أن تقرأ...هذه أنا يا وطني التي أنهكتها سنو الغربة وأتلفت روحها رتابة العيش.هذه أنا يا وطني جسدٌ بلا روحٍ في هذه الأ رض ..هذه أنا هنا ولكن...روحي هناك تحلق في فضاء الوطن...
فيا وطني.
...أعد إلي روحي  أو أعدني إلى روحي...
.أعدني اليك.....


26 April 2011

النحو العربي

يا ضحايا غربتي ويا مغرّبي تضحياتي
يا أيتام تعبي ويا متعبي يتمي
يا بذور رحمي ويا مبذّري رحمتي
مزّقوا كتبكم المعرّبة وأصغوا...
أصغوا لصراخي...أصغوا لوجعي...أصغوا لدمي...أصغوا للأصدق إنباءً...أصغوا للغتكم الحية...لغة لحمكم...
هذا كلامي عربيٌ لا يشبه الكلام، هذه حروفي، أسمائي، أفعالي...لا تشبه الحروف ولا الأسماء ولا الأفعال!
هذه كلماتي، هذا جسدي ينوء تحت وطأة مئة عام وخاص من وجع الكسرات والانكسارات...يخوض آلام ضم وجر وإضافة! ها هي جراح المفردات تنزف تخلفاً وجهلاً وفقراً ثم تخاذلاً وتآمراً وهدر ثروات، ثم خضوعاً وذلاً وتبعية، ثم انقساماً وتشرذماً وتشتتاً وشتات!
وهذا استعمار ظاهر واستعمار مضمر...هذا احتلال مباشر واحتلال مؤوّل! هذا نكأ بجراح مفتوحة منذ الجرح الأول! حصار وتجويع وقتل وإبادة...جراح اجتّرت علقماً حتى الاختناق والتقيؤ. جراح أشبعتها شرحاً وأشبعتني تشريحاً...جراح بكل اللغات بعمق الكرة الأرضية بأطرافها المتطرفة. جراح تشغل العالم بأسره وبأسراه، جراح تسّوق في الأرض وفي الفضاء، جراح تفتحها وتضمها ثم تفتحها وتضمها ثم تفتحها وتفتحها وتفتحها عقول لا بشرية تهوى بيع لحمي أشلاءً في سوق الألعاب الالكترونية وعبر الشاشات الوقحة...أقدام، رؤوس، أمعاء، ثدي في فم طفل...بقايا عيون تبكي أصحابها! يا أبناء جلدي ماذا تفعلون؟ تتفرجون؟ تحدقون بعيون عمياء؟ تصمتون؟ ما بكم؟ ما بكم؟ طفتم في جاهلية دهماء دهراً ثم قفزتم تحلقون في فضاء العولمة على ظهر إبن فرناس؟
ماذا بقي من دمي؟ ماذا بقي من جسدي؟ أشلاء...أيتام جمل ٍمبعثرة تُعتقل من بينها حروف الربط والاستئناف والعطف! بتهمة التفاعل مع جمل سابقة وأخرى لاحقة...
يا لكتبكم المعرّبة كم شوهتني...ألبستني ثوباً لا أشبهه ولا يشبهني...مزقوها...إنتفضوا...إكتبوني من جديد...نصاً نا صعاً فاصلاً في حده الحد بين الجد واللعب!
أين الشعراء الذين يحق لهم ما لا يحق لغيرهم؟ فليعيدوا صياغتي! فليمنعوا الغاوين من حصد جراحي بالملح...فليسكتوا وجعي بجليد جلدهم...أريدهم كما عرفهتهم في المهد...أقوياء.
أقوياء يجعلون جراحي تتأوه غناءً لإرادة الحياة مع الشابي وللحرية الحمراء مع شوقي...للعودة مع درويش!
أقوياء يجعلون أشلائي ترقص...رقص الفرح العابر للوجع تحت أقواس النصر...رقصة الإيمان...رقصة النهوض من بين الأنقاض...
أقوياء يعلمون ما يفعلون...يعلمون ما يقرأون...يعلمون كيف يعلّمون...يعلّمون العربية للعرب ولغير العرب...
يعلمون ويعلّمون أن المفرد مفرد واحد لا يعرف غيره مفرد واحد...
يعلّمون أن المثّنى نستدل عليه برفع السبابة مع الوسطى!
يعلذمون المثنى كيف يُثني على رافعه بالألف أو الألْف وكيف يغضب على جارّه بالعلاءات أو العلاقات أو التعليلاتّ
يعلّمون الجمع كيف يجتمع على قواعد ثابتة موحدة بلا كسر ولاتكسير!
يعلّمون الجمع أن يقاوم الجر ويمنع النصب كي يبقى مرفوعاً...
يعلّمون الأسماء وما ومن يختبئ وراء الأسماء...يعلّمون الحروف أين توضع...كيف توضع ولمن توضع...يعلّمون الأفعال...بمن تليق الأفعال...
لا تشتبه عليهم المواقع في الجملة...يعرفون الفواعل والمفاعيل والأفعال...يميّزون جيداً بين الحاكم الجّار والعبد المجرور...والعابدين على حرف...فالحرف لا معنى له في العربية وحيداً، عليه الإنضمام إلى جملة تُمسك به ويتماسك معها،  يكتمل به معناها ويكمّل بها قدْره وقدره...
والأسماء كلمات ...أسماء كبيرة...أسماء صغيرة...أسماء طالها الوهم وأسماء طالت الأوهام وأسماء طالها الحذف...أسماء مبنية بإشارة...وأسماء مبنية بالتعذر عن الظهور...أسماء تعرف بالضمائر وأسماء لا ُتعرف لها ضمائر! ومنها وإليها...
أسماء تدل على إنسان...إنسان إنسان يرقى عن الحيوان بعقله، بنطقه، بمشاعره...إنسان يرتفع به إسمه ولا يرتفع بإسمه...إنسان مرفوع تتبعه الصفات الإنسانية المرفوعة كما تتبع الصفة الموصوف...إنسان عماد لمن يعتمد عليه...إنسان مُغني لمن التحق بركبه...
إنسان يتقن صياغة الإنسانية...
إنسان يقفل الأبواب أمام الأسماء الهاربة من حظيرة إبن المقفع الحُبلى بالحيوانات الفقيهة! الحيوانات التي أغنت أدب العرب ولغة العرب وإرث العرب وخزائن العرب حتى إشهار الإفلاس.
إنسان يحطم هياكل أسماء مسنّدة كالخشب...تجثم فوق الصدور...تكتم الأنفاس...تحتل الفراغ!
يا أبنائي...
إتركوا الماضي يمضي ببنائه وفتحه وانكساراته ولا تتركوا المستقبل حائراً بالسين والسوف وأدوات المماطلة...إرفعوا الحاضر فوق أكف أفعالكم ولا تسمحوا لأدوات النصب بمصادرتها...فالشعب ملّ نوذاب الفواعل الغاصبين للعروش المختبئين في ظل ضمة أو هيئة!
يا أبناء عروبتي هذه أنا...هذا نبضي لا يتوقف...هذا دمي لا ينضب!
هذا ثوبي حاكه توّابي البررة...يُشبهني...يماثلني...يطابق عُربي...لا تنزعوه عني...
لا تلبسوني سواه!

هناء جابر
21/01/2009