[*]الأم الصغيرة
رفعت معلمة الرياضيات مريم صوتها وهي تنادي تلميذتها أمل للمرة الثالثة من دون جدوى. فأمل لا تزال شاردة الذهن غارقة في أفكارها.
تقدمت منها الآنسة مريم بهدوء ووضعت يدها على كتفها بحنان وهي تقول :
ـ أمل لقد ناديتك مراتٍ عديدةٍ ولم تنتبهي فما الأمر يا عزيزتي؟
إعتذرت أمل من المعلمة وقالت :
ـ شكراً لاهتمامك آنستي سأكون على ما يرام لا تقلقي.
ـ أرجو ذلك يا أمل ولكن يبدو أن شيئاً ما يشغلك حاولي الانتباه الآن وسنتحدث فيما بعد عند الفرصة في غرفة المعلمين، لا تتأخري.
أنهت الآنسة مريم جملتها الأخيرة وعادت إلى متابعة شرح الدرس. سارعت أمل بعد انتهاء الحصص إلى غرفة المعلمين فوجدت أن الآنسة مريم قد سبقتها إلى هناك وبادرتها بالقول :
ـ اقتربي يا عزيزتي أمل وأخبريني ما الأمر فأنا أعرفك جيداً منذ أكثر من خمس سنوات وأعرف مدى اجتهادك ومثابرتك على أداء واجباتك. لا بد أن أمراً ما يشغل بالك إلى هذا الحد؟
اقتربت أمل من معلمتها التي تثق بها وتحبها كثيراً وهي تقول يتأثرٍ بالغٍ :
ـ إن أمي هي التي تشغل بالي يا آنستي، لقد سمعت تأوهاتها وأنينها من الألم خلال الليل فانتابني شعور بأنها مصابة بمرض خطير وسوف أفقدها! ثم تمتمت، أنا لا أستطيع العيش من دونها...
بعد جملتها هذه أجهشت أمل بالبكاء ولم تستطع المتابعة. اقتربت الآنسة مريم منها واحتضنتها ثم قالت بهدوء :
ـ لا تتسرعي بالظنون يا عزيزتي أمل فهذه الأمور يحددها الطبيب وكل إنسان منا معرض للإصابة بالأمراض والعلل، البسيطة منها والخطيرة، وأنتِ الآن قد أصبحت في الحادية عشرة من العمر، وبامكانك تقديم العون لمن حولك، وتفهم الأمور على حقيقتها. ولكن أرجو من كل قلبي أن تكون ظنونك هذه في غير محلها وأن يكون مرض أمك بسيطاً.
سألت أمل ببراءة :
ـ كيف أساعدها يا آنستي؟
ـ أظهري لها حبك هذا واعرضي عليها تقديم المساعدة في تدبير شؤون المنزل والعائلة لتخفيف هذا العبء عنها فتشعر بنضجك ووعيك وهذا يساعدها كثيراً على التعافي بسرعة. وبدوري أنا أيضاً سأساعدك وأقف إلى جانبك في تعويض ما يفوتك من الدروس والواجبات.
هدأت أمل كثيراً بعد حوارها مع معلمتها اللطيفة مريم وعندما وصلت إلى المنزل وجدت أن أمها لا تزال في السرير كما توقعت ومن حولها يقف والدها ومعه رجل آخر يبدو من هيئته أنه الطبيب.
ألقت التحية عليهم ثم تقدمت وجلست على حافة السرير إلى جانب أمها، عندما شاهدت أمل الدموع تترقرق في عينيها وهي تسمع الطبيب يؤكد على ضرورة ملازمتها الفراش لعدة أيام على الأقل مع الالتزام بنظام غذائي خاص إلى جانب تناول الأدوية في مواعيدها المحددة. ثم سمعت صوت أمها تحاول الاعتراض بصوتها الضعيف لتغيير رأي الطبيب بالقول :
ـ ولكن يا حضرة الطبيب إن إبنتي هذه لا تزال صغيرةً تحتاج إلى الرعاية وكذلك إبني الصغير هادي الذي لم يتم السادسة من عمره بعد، ماذا سيفعلان من دوني؟ كيف سيتدبران أمرهما؟
لكن محاولة الأم باءت بالفشل فالطبيب غادر المنزل وهو يؤكد على ضرورة الإلتزام بإرشاداته بحذافيرها.
تنهدت أمل بارتياح، فالأمر لم يكن بالخطورة التي تصورتها، بل هو مجرد وعكة صحية عارضة، أصابت أمها نتيجة التعب والإرهاق.
أمسكت أمل بيد أمها، قبلتها ثم قالت بحنان :
ـ أرجوك يا أمي أعطني فرصة كي أمنحك بعضاً من الرعاية التي تحيطيننا بها جميعاً على مدار الأيام. سنتعاون معاً وستكونين بخير إن شاء الله في أقرب وقت ممكن...
تحولت أمل في الأيام التالية إلى كتلة من الحركة والنشاط، تستيقظ في الصباح الباكر لتتجه مباشرة إلى سرير أمها فتلقي نظرة اطمئنان عليها ثم تسارع إلى غرفة أخيها الصغير هادي لتوقظه بهدوء وتقف إلى جانبه في الحمام لتشرف عليه وهو يغسل وجهه وينظف أسنانه ثم تسبقه إلى المطبخ للإسراع بتحضير فطور خفيف له. وبعد الاطمئنان على تأمين جميع احتياجاته ولوازمه في الحقيبة تمشي معه إلى الباب تودعه، تسلمه إلى والدها يداً بيد كي يتولى أمر توصيله إلى المدرسة ثم تضع في يد أبيها ورقة صغيرة كتبت عليها أسماء الأغراض والحاجيات اللازمة لتدبير أمور المنزل لشرائها عند الإنتهاء من العمل...
كانت الأم تراقب ابنتها أمل بدهشة وإعجاب وتلاحظ أنها نسيت طفولتها تماماً وهي تلعب دور الأم الصالحة على أكمل وجه. تراها تتنقل في أرجاء المنزل كالنحلة النشيطة تنتهي من أداء عمل لتبدأ بأداء آخر دون تردد أو تكاسل.
من الإهتمام بنظافة وترتيب المنزل إلى الإهتمام برعاية أخيها هادي ومساعدته على أداء واجباته المدرسية إلى تحضير الطعام وتقديمه للعائلة إلى الإهتمام بإطعام أمها بشكل خاص، دون أن تنسى إعطاءها الأدوية في مواعيدها الدقيقة. وبعد الفراغ من كل هذا تسارع أمل في كل يوم إلى الهاتف للإتصال بمعلمتها مريم كي تطلعها على الواجبات المدرسية التي فاتتها كما وعدت فتتفرغ لإتمامها باجتهاد.
مع إطلالة الأسبوع الجديد عادت الأمور إلى طبيعتها بعد أن تماثلت الأم للشفاء فسارعت عند الصباح الباكر كعادتها إلى تيسير أمور الجميع على أكمل وجه...
كانت عند عتبة الباب تودعهم حين التفت إليها أمل وقالت :
ـ أرجوك يا أمي، لا تجهدي نفسك كثيراً بالعمل، وكلي جيداً، ولا تنسي تناول الدواء في مواعيده.
إبتسمت الأم لإبنتها وأجابت مداعبة :
ـ حسناً حسناً أنا لا أخالف أوامراك أبداً أيتها الأم الصغيرة.
هناء جابر
·بناتُ الشمس!
أطلّ القمر وهو يتراقص ويغني بفرح :
- ترالالا...ترالالا...ترالالا
فتحت الأرض عينيها بتكاسل وهي تقول :
- أوف...ما هذا الضجيج ؟ ما هذا الضجيج ؟ ما الذي يفرحك ويطربك إلى هذا الحد أيها القمر؟ لست بدراً لتتباهى ولم تعد طفلاً لتتدلل، أنت مجرد قمر عجوز في آخر ساعاتك فما سبب ضجيجك إذاً؟
- أيتها الأرض البلهاء سأولد بعد ساعات وأنتِ لا تعرفين ما الذي سيصيبك عند ولادتي هذه المرة؟
قالت الأرض باستخفاف :
- وإذا ولدت بعد ساعات؟ وماذا يعني ذلك؟ فإنك تولد مرة في كل شهر على مدار العام ولا يصيبني شيء فاذهب عني ودعني أنام فأنا لا آبه كثيراً لأمرك.
رد القمر:
- حقاً؟! ألست من ينير عتمة ليلك الأسود، ويزين وجه سمائك الظلماء؟ و...
قاطعته الأرض ساخرة :
- على مهلك، على مهلك أيها القمر أنت مجرد كوكب مظلم بارد وكل هذا الدفء وهذه الأنوار تمنحني إياها صديقتي الشمس فلا تغتر بنفسك كثيراً...
أجابها القمر بمكر وكأنه يخفي في نفسه شيئاً ما :
- حسناً أيتها الأرض، ها هي فرصتي النادرة قد جاءت كي أعلّمك كيف تحترمينني وتعرفين قدري. فأنا سأكون على خط واحد معك ومع صديقتك في هذه الولادة.! فما رأيك بهذه المفاجأة يا عزيزتي؟
شهقت الأرض من وقع الخبر وقالت :
- آه نعم أنت تريد الانتقام مني إذاً، ستصيب الشمس بالكسوف وتفرق بيني وبينها؟
تابع القمر :
- سأحجب عنك أنوارها الغالية على قلبك! وأيضاً سأكشف لهؤلاء الناس المعجبين مثلكِ بصديقتك الشمس حقيقتها الشريرة
ردت الأرض بتعجب كبير :
- الشمس شريرة؟! وكيف توصلت إلى هذه الحقيقة يا "فلتة زمانك"
رد القمر بغضب :
- لا تسخري مني أرجوك، نعم هي شريرة، لا تسبب للناس إلا الضرر هي وعائلتها.
قالت الأرض :
- ولكن أيها القمر إن الشمس العزيزة أنجبت فقط ثلاث بناتٍ نشيطات يعملن طيلة الوقت على بعث الضوء والدفء والحرارة. وهنّ إبنتها الكبرى التي أنارت حياتها الأشعة الضوئية نوّار وابنتها الوسطى الجميلة الأشعة فوق البنفسجية بنفسج وابنتها المدللة الصغيرة الأشعة تحت الحمراء عشتار فمن من تلك الجميلات تسبب الضرر؟
- أتتغابين أيتها الأرض؟ أولا تعرفين بأن بنفسج وأختها عشتارتتسببان معاً بحروق في شبكة العين عند الإنسان وبتدمير الخلايا الحساسة فيها.
أجابت الأرض :
- حقاً؟! ولماذا لا تطبق العين أجفانها وتحمي نفسها؟ أليس لأنها تحب الشمس وتحب بناتها؟.
أجاب القمر :
- لا يا عزيزتي الأرض، الأمر ليس كما تظنين فشبكة العين المسكينة لا قدرة لها على تحسس الحرارة والألم القادمين من هاتين الأختين عند التحديق بهما طويلاً، لذلك يكون الضرر كبيراً قد يصل أحياناً إلى حد العمى خاصة لدى الأطفال الأبرياء، لأن خلايا عيونهم حساسة جداً.
قالت الأرض بتأثر بالغ :
- يا إلهي!!... ولكن الذنب ليس ذنب الشمس بل هو ذنبك أنت لأنّ الشمس الصديقة تسلّط أشعة ابنتها المشرقة نوّار فوق سطح الأرض كي تحجب هذا الضرر عن الناس فلا يستطيعون التحديق بها لأكثر من ثانية واحدة، أما أنت أيها الشرير فتقف بوجهها لتسهّل لهؤلاء المساكين أمر التحديق طويلاً ببيت الشمس مما يسبب لهم هذا الأذى الكبير، فاخجل من نفسك واصمت أيها القمر الحاقد.
أطرق القمر برأسه خجلاً وشعر بندم كبير فكّر قليلاً ثم سأل بمرارة:
- ولكن أيتها الأرض ماذا أفعل الآن؟! لا يمكنني العودة إلى الوراء.
سمعت الشمس الحكيمة ما دار بين صديقيها الأرض والقمر من جدال فتدخلّت قائلة :
- ما بالكما تتجادلان؟ نحن جميعاً هنا أصدقاء ندور في فلك واحد خلقه الله تعالى كي يكمل الواحد منا الآخر.
ردت الأرض باستحياء :
- معك حق يا صديقتي لقد قسوت بكلامي الجارح على صديقي القمر، أنا أعتذر منه أمامك فأرجو أن يسامحني.
رد القمر بمودة :
- وأنا أيضاً أعتذر منك يا صديقتي فلم يكن من اللائق أن أتكلم معك بهذه اللهجة القاسية ثم توجه إلى الشمس بالسؤال:
- ولكن أيتها الشمس العزيزة كيف نجنّب أصدقاءنا البشر هذا الأذى؟؟...
قاطعته الشمس حين قالت :
- لا تقلقا يا صديقاي إن البشر يُعلّم الواحد منهم الآخر كيفية الوقاية في مثل هذه الحالات، والناس الذين يرغبون بالتحديق بي وبعائلتي عند الكسوف يستعينون بمناظير ونظارات خاصة لذلك...
علّق القمر ممازحاً الشمس :
- لا تنسي أنتِ أيضاً يا عزيزتنا الشمس نظارتيك أثناء الكسوف!
هناء جابر·
العمر : 8-9 سنوات
المراجع :
- الكسوف.- الموسوعة العربية العالمية.- مج. 19.- ص. 275-276
- الشمس.- الموسوعة العربية العالمية.- مج. 14.- ص. 240-256
- Radiations solaires.-Encarta en ligne.-2009
- Eclipses de soleil.- Encarta en ligne.-2009
·قطرات الماء المسافرات!
ها قد أطلّ فصل الصيف وها هي ضحكات الأطفال وصرخاتهم تملأ المكان وهم يركبون الأمواج الزرقاء التي تلاعبهم فتعلو بهم تارة وتهبط أخرى والمكان يعج بالناس الذين يسبحون ويأكلون ويمرحون وتنتشر على امتداد الشاطىء المظلات الكبيرة الزاهية الألوان التي يأوي إليها المتنزهون كلما شعروا بتعبٍ أو نعاس. وحدها قطرة الماء الصغيرة "قطورة" كانت تجلس حزينة منعزلة تتأمل هذا المشهد بغضبٍ ونفور...
ثم ما لبثت أن لحقت بها أخواتها فقالت لها أختها الكبرى "قطر الندى" باستغراب
- ما بك يا قطورة؟ لما أنت حزينة؟ لماذا لا تشاركين الجميع فرحتهم؟
- بما أشارك؟ ولماذا أفرح؟ أتسمين هذا الضجيج وهذه الفوضى فرحة؟
أجابتها أختها الوسطى "قطر الصباح"
- نعم يا عزيزتي إنها فرحة، فرحة الناس بقدوم الصيف، فصل النزهات والإجازات، فصل الترفيه عن النفس، فصل الاستراحة بعد عناء العمل والدراسة طيلة أشهر متواصلة...
- ولماذا يتوافدون إلينا نحن؟ فيجعلون الأجواء من حولنا عكرة ملوثة بضجيجهم وأطعمتهم ومتاعهم؟
فأجابتها قطر الندى هذه المرة أيضاً
- إنهم يا عزيزتي يلجأون إلينا ليطفئوا حرارة أجسادهم ببرودة أجسادنا فتنمو بيننا صداقات نستعين بها على ملىء نهارات الصيف الطويلة بالرياضة والألعاب والتسلية.
- هكذا إذن، هي مجرد علاقة صيف عابرة. يتسلى بنا الناس لقضاء أوقات فراغهم.
أنهت قطورة حوارها مع أخواتها وانصرفت بعيداً عنهن وهي لا تزال على سخطها وغضبها متمتمة " يا لهؤلاء الناس ما أكثر إزعاجهم، وما أشد أنانيتهم، لم أعد أستطيع تحملهم أبداً! ولكن ماذا أفعل؟"
راحت قطورة تفكّر بحلٍّ يخرجها مما هي فيه وكانت تنظر إلى السماء فتراها صافية زرقاء هادئة لا يعكر صفوها شيء فتحسدها على ما تنعم به من سكينة واستقرار. ونظرت باتجاه الشمس وصرخت بأعلى صوتها
- أيتها الشمس العظيمة أرجوك ساعديني أريد أن أسافر إلى تلك السماء الجميلة كي أنعم ببعض الهدوء!
فأجابتها شمس الصيف الحارة بحنان :
- إهدأي يا صغيرتي، يجب أن تفكري جيداً فالسفر إلى السماء يعني الابتعاد عن أمك وأخواتك وأصحابك لأيام طويلة وربما لأشهر عديدة، فهل تقدرين على ذلك؟
أجابت قطورة بتحدٍ وعنادٍ
- نعم أقدر وأريد ذلك من كل قلبي، فساعديني على التخلص من هذه الفوضى التي يسمونها "إجازات الصيف"
- حسناً حسناً يا صغيرتي إجمعي بعض الرفاق الذين تتشاركين معهم أمنيتك هذه ثم عودي إلي برفقتهم!...
غاصت قطورة في أعماق البحر وبدأت تنادي مثيلاتها من عشاق السفر للإلتحاق بها.
وما كادت شمس الظهيرة تستقر في كبد السماء حتى كانت قطورة حاضرة هي ورفيقاتها أمام الشمس منادية إياها:
- ها نحن أيتها الشمس فعلنا ما علينا فعله فافعلي ما عليكِ وأوفِ بعهدك!
سلطت شمس الظهيرة الحارقة أشعتها على أجساد القطرات الصغيرة وحولتهن بدقائق قليلة إلى أعمدة شفاقة من البخار المتصاعد إلى السماء.
فرحت قطورة ورفيقاتها بالمسكن الجديد ورحن يتبختّرن بزهو بين الغيوم البيضاء، يمرحن ويلعبن ويضحكن ولا يعكر صفو مزاجهن شيء.
ومضت الأيام والأسابيع وبدأ الشوق إلى الأهل والعائلة يقضّ مضاجع القطرات الصغيرات وبدأ الملل يتسلل إلى قلوبهن الصغيرة فلا شيء من حولهن يشاركهن نشاطهن وحبهن للحياة ولا يوجد في السماء من يحتاج إليهن حتى يشعرن بقيمتهن وأهميتهن.
وعاد الحزن يملأ قلب "قطورة" وهي تتذكر لهوها ومرحها بين أفراد عائلتها وساعات النوم الهادئة التي تنعم بها خلال الليل بين أحضان أمها وهي تهدهدها ومن حولها ملايين القطرات الصديقات يسبحن جميعا في خضم بحر كبير…
وسقطت من عينيها دمعة وهي تتذكر صرخات الفرح التي يصدرها الأطفال وهم يتراشقون بها خلال ساعات النهار. ثم بكاؤوهم لمفارقتها وهم يغادرون مع ذويهم عند المغيب ..!
ومرّت شهور وازداد حزن "قطورة" وهي ترى أن السماء الزرقاء الصافية التي غادرت عائلتها وأرضها من أجلها قد أخدت بالتبدّل وتحوّلت غيومها البيضاء الناصعة الى أخرى رمادية يميل بعضها الى السواد ..!
انفجرت "قطورة" بالبكاء وهي تصرخ منادية الشمس :
- أيتها الشمس العظيمة اين انت ؟ لماذا تختبئين معظم الوقت خلف هذه الغيوم ؟ أرجوك ساعديني أريد العودة الى دياري.
تئاءبت شمس الخريف الكسولة قبل أن ترد على "قطورة" قائلة:
- ولماذا أصررت على السفر اذن؟
- انا مجرد طفلة صغيرة أيتها الشمس ولم أكن أعلم بان الحياة الجميلة هي ان نكون قادرين على العطاء وعلى اسعاد الآخرين ..!
- حسناً يا صغيرتي لا فائدة من نحيبك الآن فليس بامكاني فعل شيء دون التشاور مع الشتاء أولاً.. سأحاول قدر استطاعتي استعجال قدومه!.
انتظرت "قطورة" الأيام التالية والأسابيع بفارغ الصبر وهي تحدّث نفسها بالعودة الى موطنها الأرض التي تحتاج اليها لتروي ظمأها بعد شهور الحر الطويلة.
أخذت الشمس تتكاسل أكثر فأكثر فتتقاعس عن تدفئة الأرض حتى دبّت البرودة والصقيع في جسد الطبيعة من حولها الى أن حلّ موعد قدوم الشتاء .. وما ان أطل الشتاء بهبته وغضبه يحمل على أكتافه ثياب الصوف الثقيلة حتى ارتعدت فرائص الطبيعة فتراقصت الأشجار وهبّت الرياح والتفت الغيوم السوداء حول بعضها . ثم شرّعت السماء أبوابها وبدأت بتقديم هدايا الخير والعطاء والحياة بين يديه . فتساقطت الأمطار بخفة وهدوء ثم ما لبثت أن تحولت الى امطار غزيرة ينعم بخيراتها الناس والأرض والبحار والأنهار. ..
ومن بين الأمطار كانت "قطورة" تهبط بسعادة وهي تراقب الفرحة في عيون الأطفال الذين رفعوا أيديهم الصغيرة لتلقفها ضاحكين مسرورين بعودتها بعد الفراق الطويل ...
هناء جابر·
العمر: 7-8 سنوات
المراجع :
· التبخر والتبريد.-موسوعة الكويت العلمية للأطفال.- ج 5.- ص. 993-994
· التبخر والتبريد.-الموسوعة العربية العالمية.- مج. 6.- ص. 70-74
· Evaporation.- Encarta en ligne.- 2009
· Condensation.- Encarta en ligne.- 2009